الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

هرطقة



اغنى كل صباح بما يحتويه ألمى وحنين
طائرا محلقا ذات مساء طاويا وديان الممالك
وفي دمي مذاق ذل ودم معطر برائحة النرجس المخلد
لم يكن لي سلطانا يوم رأيتك تعبث في ستائرى
تدندن ترانيم العشق والسحر لتسلب روحى
واضعا قلب متبذر لا يقوى على النبض
ساجنا حريات الشعوب داخل زجاجة قرمزية
وممتطيا مهرة الفرس القديمة غازيا جبالي
تدمي اظافرى لرؤيتك محلقا ومغادرا
واجنحتى تفقد ريشها مستصرخة لك دون جدوى
واليوم ...
اليوم هبطت على تلي الصغير
لا ابقى على شئ
محتفظا بانفاسي مبتعدا عن الجنون
مسجلا سطورى في هرطقة يونانية
داخل احلام المساء


الأربعاء، 17 مارس 2010

الليــرا - آلة الهارب




الليرا

حياة عاصفة ، سريعة ، متوترة
خضم من المعلومات يجرى امام مقلتى في كل ليلة امام شاشة صماء
متحديا بها الحياة والمعرفة وقاهرا كل سد منيع
في مختلف المجالات والانحاء والعقول
كنت ذو عقلك متقد على الدوام
حتى استرخى بعدها لاعطى جسدى ما يستحقه من راحه ولاعيد بناء خلايا عقلى المشتعل
حتى انتهى بي المطاق بعد اربعة عقود في احدى الحفلات التى تقيمها وزارة الثقافة على شرف احدى الدول الاوربية هنا في القاهرة ، وكان لابد لي بطبيعة مركزي ومنصبي المترقب الحضور والمجاملات وتبادل الكروت الشخصية والملل في النهاية من الحديث الذى لا يجدى نفعا
وشارفت على الحلم بفراشى كما هو حالي في هذه الاجتماعات
فنهضت معتذرا لتدخين سيجارتى كوسيلة للهرب من المكان واخذت انفث غضبي ومللي مع دخان السجائر لاترك لخيالى العنان
فقد كنت اتذكر مولد حبي وزواجى هنا في دار الاوبرا
وكيف انها كانت القدر لاتصداف مع حبي الاول حتى انتهت حياتها بشكل مفاجئ لم يفهمه الاطباء
سابحا بذكرياتى في بحر طويل ودافئ
ولكن مهلا
لم انتبه وانا اغوص في ذكرياتى باننى انتشيت بذلك الصوت
صوت عذب جميل يأتى من آلة لم افهمها برغم عشقى للموسيقى
انه يأتى من المبنى المقابل ... اجل لا يمكن لأذن طالما ارتشف الموسيقى ان تخطأ مصدر الصوت وان كانت تجهل كنهه
ودون ترتيب تركت السيجارة تسقط من اصابعى دون ان ادهسها وتركتها ماضيا في طريقي الى المبنى كالمسحور يذهب في طريقة الى حورية البحر
تركزت تلك الصورة وانا اصعد درجات السلم الى الدور الثانى في لهفة والصوت يصدح في اركان المبنى في قوة بواسطة السماعات الحديثة الموزعة بعناية
حتى اقتحمت القاعة في شكل عصبي
لتقع عيناى عليها
او بشكل أدق
عليهما
على الحورية التى كانت تعزف المقطوعة وهي تحدق في ارضية المسرح
وعلى تلك الالة التى لم اعرف لها اسما سوى انها آلة قديمة
ورجحت من شكلها انها تعود الى ما قبل التاريخ
الى عصور رومانية او فروعينة
تمتد بها عشرات الاوتار التى تداعبها انامل الفتاة في رقة وعذوبة
حتى سرت قشعريرة في جسدى بالكامل وبدون وعي ملئت الدموع مقلتى
وما ان سقطت دمعتى الاولى
ارتجفت وانا استفيق من حلم حقيقي وانا امسح دموعى غير مصدق لخروجها لاضعها على فمى دون ان اقدر ان ارفع عيني عنها
تقدمت الى الكرسي الاقرب من الباب لاجلس مشدوها ... مأخوذا
مسحور الالباب
تاركا صدى الاصوات تتردد في وجدانى
بل داخل كيانى بأكلمه
وهي تأخذنى في ايقاعها الى الاعماق وتخرج محلقة الى السماء في تتابعات لا اقدر على وصفها
حتى انتهت
ليعلوا التصفيق الحاد في القاعة ونهضت كالمحموم لكي الهب يدي بالتصفيق الحار
لتتجمد حركتى
فاذا هي تنهض وهي تنحنى في رقة بالغة وتقف تحدق في الارضية بشكل ملفت
حتى نهض احدهم من الصف الاول ليمسك بيدها ويناولها نظارة سوداء بيده الاخرى
لترتديها في صمت
مستديرة لتغادر المسرح ليسود الصمت مجددا داخل القاعة
فقد كانت لا ترى
آخذة نور اعيننا معها مختفية خلف الستائر
لتترك الدموع تنساب من عيني مجددا
لتتعلق في استماتة هذه المرة بالآلة التى سحرتنى واعمتنى دون رحمة او امل
لتحمل توقيعها علي كل الحاضرين
توقيع الليرا

الأحد، 27 ديسمبر 2009

سفينة الارواح





مساء مهيب تألق به قرص القمر الابيض في السماء
في محاولات يائسة لاضاءة ذلك المحيط المظلم في المساء
ولكن النتائج جائت عابثة امام سطوة مخيفه في تموجات الليل مع المياة الداكنه
حتى انهارت محاولات القمر امام تلك الغيمة الهائلة التى حجزت ضوئها في سخرية على المحيط
وتضرب بجناحيها على تلك البقعة ، حتى ان تنتبه الى تلك النقطة الضئيلة داخل المحيط
الى ذلك المركب الخشبي المتهالك تحديدا
الذى ارتسمت عليه ملامح الوحدة والهوان وهو مسلوب الارادة امام الامواج وهي تضرب بسوطها لتطيح بيه يمينا ويسارا كالكرة
رسمت الطبيعة صورتها في قسوتها وعنفوانها على المكان بأكلمه
حتى الرياح حملت رائحة خاصة لا تتكرر لتهب على سطح السفينة
لترتطم في ذلك الجسد في انزعاج
جسد رجل يجلس القرفصاء ، دافنا وجهه بين يديه بقميص وردي بالي
وبنطال تقطعت اطرافه وكأنها قد خرجت للتو من فك تمساح مفترس ..
كانت الصورة متجمدة تماما ، لا يتغير بها سوى تأرجح السفينة بين موجات البحر
حتى دوى هزيم الرعد من الغيمة ، حينها فقط رفع ذلك الجسد رأسه الى السماء لتظهر عينيه التى شارفت ان تتحول الى لون الدماء
واخذ يحدق في الغيوم في جمود لا معنى له حتى استل خنجر صغيرا من جيبه واخذ يرسم خطا جديدا على سطح السفينة
دون ان يبالى بقطرات الماء التى اخذت تداعب رأسه وسطح السفينة من قطرات متوترة تسقط من الغيمة
حتى انتهى واخذ يحصي بعينيه الداميتين ما صنعه حتى اكتمل بذلك ثلاثمائة خطا في تناسق على خشب السفينة ودون ان فرت تلك الدمعة الحمراء من عينة لتسقط على اخر خط حفره في خشب السفينة ليذوب وسط قطرات الغيمة ، وبدأت علامات الالم تدب في قسمات وجهة وجسده
وهو يضع يده على قلبه رافعا رأسه الى السماء مطلقة صرخة جعلت السماء تتوقف البكاء من هولها
فقد كان الطريق طويلا ومريرا
والايام دون معنى وهو ينتظر الميناء ان يظهر له في الافق دون جدوى
ابتدء العمر في هروبه ، وانتهى به قاذفا به في بحور الشك
حتى نسي انسانيته ، وروحه
لم يعد يتذكر صوته وانفاسه
حتى قلبه بدأ يستجمع ذكريات محبوبته في صعوبة ، ضاربا بسياطه في جسده بين الحين والآخر
بنار تجتاح كيانه ، داخل جسده ضاربا مثل البركان
ولم يعد هناك ما يقتات به
حتى انه قد ذبح حصانه ليقتات به
وهذا هو اليوم السادس وبدأ الهذيان يقبض بيد بارده على خلايا عقله
لكنه كان محاربا شرسا ، وفارسا لا يقبل الاستسلام
وبدأ الغيوم تنقشع شيئا فشيئا ليتسرب ضوء القمر في حياء متجدد
فاستنفر الجسد اعلى طاقته للنهوض ليسير حافي القدمين تجاه مقدمة السفينة
وتعلق بصره بالافق ، غير مباليا بالدماء التى ترتسم خلف قدمه من جرح غائر لا يندمل
واستند بكلتا يديه على السور وهو يحدق طويلا في مشهد السفينه وهي تشق المياه
وشعر بان الامواج تناديه وكان جنية المحيط تغرب به وطامعة في لحمه الطازج
ولكنها تسبح صامته اسفل صفحة المياه تقتله في صبر وتؤده
حتى بدأ يتمتم بتعويذة قديمة ، لقنتها اياه جدته
وهو يعرف خطورتها ، لكنه لم يكن لديه مفر
ولم يعد يطيق الانتظار حبيسا في جسد ضعيف ، حتى بدأ المحيط في الارتجاف
حتى كاد ان يقسم انه سمع تلك الصرخة المرافقة لذلك الارتعاش التى تناهت الى مسامعه من اسفل البحر
وفي كبرياء ، اجبر جسده على الجلوس في ذلك المقعد بجوار المقدمة
وعادت السماء لتتلبد في شكل مضطرب وكثيف في مشهد مهيب وعلى النقيض
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتى الفارس مغمضا عينيه وبدأ جسده ينير في بطء تدريجي واخذت الامواج تضرب جسد السفينة في جنون مطبق
حتى انشق ضوء البرق مخترقا الغيوم تجاه السفينة لتقسمها من منتصفها في تزامن غير طبيعي مع البحر الذى بدأ في صنع دوامة في منتصف السفينة
لتبتلعها في قسوة
مخلفة ورائها اسطورة تتردد عبر الاجيال
عن سفينة وربانها الفارس
حامي الارواح ، وآخر العاشقين

الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

عطر العاشقين



عطر خفيف
يثير الرعشة في الجسد بدون تحكم
يترك طابع حالم بين الشوق والحزن
اضعه في المساء قبل ان اخلد الى فراشي وحيدا
يثير ذاكرتى دون وعي
اتذكر كل فتاة قبلتها ولمست ثغرها
اتذكر لحظات لقاء ووداع وفرحه واغتصاب
حياة زاخرة بالتجارب
تجلبها لي نسمات العطر
تحت شعاع حجرة خافت يغتصب ضوء القمر عن المرور الي
لحظات قليلة من احسست بها في التهديد تحت ذلك العطر
بالخطر والخوف واعلان نهايتى الوشيكة بالرغم من عمرى الصغير
خيط ضعيف اتمسك به في استماته الاعمى داخل البحر
لاضرب بساعدى تجاه البر نحو حورية وهمية
حتى انتهكت اصابعى نسيج الخيط
والعطر
مغلقا اهدابي في صمت واستسلام لسبات عميق
ونفحات عطر ... أخيره

الأربعاء، 10 يونيو 2009

تعويـذة عشــق



بين يومي وأمسي



صفحات صفراء مطوية



كانت تحمل كل أحلامى



لم يكن لها أوان في هذا العصر



لم أدر أين أضعها ... ومن سيسمعها ... وهل تبقى منها شيئ في شراييني



أم أنها تمزقت مثل كل شئ



اليوم أصبح الحلم إرهابا في عصر الملوك ... والجمال مجــون .... والصداقة فســق



أخبرتهم بالأمس ... اننى لن أدفن ... بل سيظل جثمانى المحنط هاهنا



داخل تابوت أسود ... تحت مسلة فرعونية عتيقة ... وسأضع فوق قبري تعويذتى الأخيرة



حتى يجيء يوم تغيب فيه الشمس ... وتعصف الريح بمكانى ....



لتأخذنى بعيدا عن كوكبكم ...



مسجلة داخل أذهانكم ... لحظة عشق ... فرعونية

الخميس، 4 يونيو 2009





باسم البلاد التى تتغنى بكل المعانى الوطنية

اشعر اليوم اننى اقف عاريا في الطريق ملابسي الداخلية

تمر ايام وليالي لنشعر ونتفاخر بالمعانى التاريخية

لنغطى بحديثنا المعسول والموزون نخر السوس في الخلايا الرمادية

من تدهور الى اخر ... من انكسار الى انهزام في نفوس الشبابية

اصبحت بكورتنا عاجزة والباقى منهمك في هوسٍ بالمحطات الجنسية

نتغاظى عن فقرنا بل ونتباهى بما نملكه .... بل ونطعن في كل مشاعرنا

سواء كانت عاطفية ... او حتى وإن كانت تمثيلية

ذابت العقول ، وانحسرت الانفاس ....

واصبح الذكاء عملة ملوثة ، كماء النيل بعد ان اصبح كمصرف صحى للمدينة القاهرية

وفي النهاية ، تسقط الجامعات من المعترفات الدولية

وتفتح المعتقلات ابوابها لجمع شمل النفوس الصالحة والبهية

حتى يجئ يوم ، ينقرض فيه الرجال

وتجلس العروس بطرحتها ، لاتجد من مؤنسٍ لها

تحت اسم العنوسة الشجية

الثلاثاء، 2 يونيو 2009

مــذبـح الحــريــة



هناك ... على بعد مئات الاميـال من وطني الأم

عند سفح ذلك الجبل النــاري ...

تحديداً عند قمته ... وعلى تلك الطاولة العاجية

وقفت اليوم أمام المكان زائراً وأنا اتأمل مقصلة الحرية

وأحصيت المئات من الصلبان ... والنجوم السداسية

وتخيلت أنهار الدماء الزرقاء ... الملكية

والكل يهتف بأسم الحرية ... بمخلتف اللغات والأجنــاس ... والأديـان

تحت أتياج من الاشواك .. أو من الأعشاب ... كل على حد سواء

وقد أصبحت تلك المقصلة مع مرور السنين

رمزا خياليا ... و حديث الآباء والأجـداد

حتى لمست الحقيقة في هذا اليوم فقط ، وأكتشفت أنه بقعة قدسية خاصة

محور الأرواح ... تأتي لزيارتها كل سبعة أعوام

لتروي قصتها ...

كنت أحس بهمسهم الدائم ... حتى فقدت بصيرتي

جئت اليوم ...

وقد اصبحت آخر أفراد البشرية ...

وقد اصطبغ العالم باللون الأحمر ...

عند شاطئ الغربي لقنسطنطين ...

أقف امام ذلك المذبح ...

لينكشف لي الضباب أخيرا ...

لأرقد بجواره متلمسا دمـــاء جميع البشر المهدورة أمامه

ليعم السكون بعد الفناء ... وانتهاء عمل المقصلة إلى الأبـد

بعد ان بدأت عملها الطويل منذ بدء الخليقة

تحت توقيع أسم مخلد على الضريح

بأسـم قــابيل


15 – 7 – 2007

الأحد، 24 مايو 2009

عطــر امرأة



قصة مشتركة في كتابتها بين:

م / أيمن شوقي

د/ أسماء علي

د / محمد ابراهيم محروس

عطر امرأة


انكفأ على كتابه يدقق فيه عدة مرات بإستماتة، كأنه يبحث بين السطور عن شيء غائب، قلب صفحات الكتاب عدة مرات، وقلبه وعاد للبداية للقراءة.. ومرة أخري يقف عند صفحة بعينها.يُدرك أن ما يريده موجود بها ، ولكن الذي يريده حقا لا يدري كنهه؛فهو شيء غامض يلعب في أحاسيسه منذ الصباح.. نظر للصفحة بفضول غريب، وقرر أن يبحث مرة أخرى ومنذ البداية.. وقتها مرت بذاكرته الحقيقة .
تلك الحقيقة التي غابت عن ذهنه لأنها تتعلق بالليل.. فقط في الليل تعود إليه ذاكرته .. كأن الحكاية كلها تكمن في ارتباط تلك الصفحة بالليل فقط.. تذكر حينما كان يقرأ هذا الكتاب لأول مرة، وعندما وصل إلى تلك الصفحة أصابته بعض الهواجس والحنين لشيء ربما فعله يوما ونسيه باقتدار أو كأنه مارس طقوسا لا يدريها ..وتلك الصفحة ذكرته بكل شيء؛في الليل كانت الذكريات متفاوتة ، مشوشة ...
لكنها كانت تقترب من بعضها في كل يوم ... حتى جاءت تلك الليلة ، التي سطع فيها القمر بدرا في السماء ، وخلت النجوم لينكشف الستار عن اسم مكتوب داخل السطور ، اسم قد خبأه فيما مضى بمهارة ، اسم الفتاة التي ستعيد له فهم فحوى تلك الفجوة في ذاكرته وبدأ كل شيء يتضح تدريجيا ،وبدأ الزمن يفترش كله أمامه بمنتهي الوضوح .
كان الحب الذي لازم كل صباحاته ومساءاته ، كان تلك الوردة الغريبة التي اقتنصها من فوق سفح جبل أثناء رحلة لهما سويا في الأقصر وسط وادي الملوك .. طوى تلك الوردة الغريبة بعد أن رشتها بعطرها وضمها بين سطور هذا الكتاب.. ولكن منذ سنوات؛ وعندما صدمت حبيبته فجأة سيارة سوداء بدت كأنها نبتت من العدم وسط صفحات الليل، كان الظلام قد أغرق الصفحة!

من يومها وهو مُقتنع بشيء غريب في تلك الوردة وتلك الحبيبة .. وطوى تلك الصفحة .. لكن ذلك التراث الجمعي الذي تحمله الوردة لا يود الصمت .. حتى بعد كل تلك الأعوام، ونسيانه التام تعود تلك القوة الغامضة للوردة؛ لتذكره بدوره الذي يجب أن يؤديه .. ذلك الدور الذي هرب منه سابقا .. نداء غامض يدعوه أن يتم مهمته التي لم تكملها حبيبته..
وفي برود وآلية لم يشعر بها ، وضع صورة الحبيبة مع الوردة في حرص شديد داخل قارورة خاصة، لم يكن يعلم متى اشتراها.. وذهب بخطوات ثابتة ، باتجاه النيل ، وكأن النداهة قد قامت من سباتها ، وتوقف طويلا أمام مياهه الراكدة ، حتى أشاح ببصره مودعا كل شيء ، ليقفز هو والقارورة نحو أعماق النيل ، ملبيا نداء البدر ... والقمر ... والحبيبة..
وبعد ثوان من ارتطامه بالماء شعر أنه يذهب إلى هناك إلى تلك الصفحة المنطوية من ذاكرته ،يبحث عن حبيبته بين كل الأشياء المفقودة في الذاكرة ..يشعر أنه يذهب إلى الموت بقدمه، ولكن المدهش أنه لا يشعر بأي ألم أو ضعف، بل على العكس يشعر بارتياح عميق يكتنفه.. وبعد ثوان غريبة أو دقائق وهو سابح في غيبوبة بين الموت والحياة وجد يدا تضغط على جسده بعنف، وهو يطرد ماءا كثيرا ابتلعه.. واحد الأشخاص واقفا ينظر إليه وهو يقول : الحمد لله أنقذناه ولكن أين تلك الفتاة التي قذفت نفسها وراءه إنني لا أراها ؟!
بدأ عودته تدريجيا إلى وعيه ،ووجد الزجاجة في يده تحمل صورتها والوردة، وشعر أن الصورة تبتسم له بسخرية تتهمه بالجبن .. قام منتفضا ونظر لمن حوله كأنه ممسوس، وتركهم يضربون كفا على كف، وأسرع مبتعدا تتناثر منه قطرات الماء .. دخل منزله رمى بالزجاجة على سريره بقمة الجنون و أبدل ملابسه بأخرى جافة .. وعاد ليفتح ذلك الكتاب على تلك الصفحة التي تحمل السر أو التي استمدت السر من الوردة المخيفة .. حقا أصبحت الذكرى لديه مخيفة فقط...

وفي عصبية ولهفة ، فتح صفحة خاصة ، تحمل تاريخ وفاتها ورائحة الموت ، وأخذ يتذكر اليوم الذي التقط فيه تلك الصورة ، مع أصدقائه وأصدقائها ، وتذكر تلك الفتاة التي غازلته ، أجل كانت في تلك الرحلة المشئومة، وبعد لحظات شعر بمذاق غريب في فمه، وهو يعود للتطلع للكتاب..
وكأن تلك الصفحة تخرج لسانها وتغيظه؛ وكأنها تحولت إلى كائن حي يشعر، ويتأمل، ويشاهد.. ويراقبه في فضول ، للحظات بدت السماء ستمطر، وبدا أن الجو كله ينذر بعاصفة، ولكنه لم يدر هل كانت العاصفة بالخارج أم بداخله.. ولكنه أغلق الكتاب مع صوت آذان الفجر، وصوت هامس في أذنه: سأعود ليلا يا حبيبي سأعود ليلا ..