الأحد، 27 ديسمبر 2009

سفينة الارواح





مساء مهيب تألق به قرص القمر الابيض في السماء
في محاولات يائسة لاضاءة ذلك المحيط المظلم في المساء
ولكن النتائج جائت عابثة امام سطوة مخيفه في تموجات الليل مع المياة الداكنه
حتى انهارت محاولات القمر امام تلك الغيمة الهائلة التى حجزت ضوئها في سخرية على المحيط
وتضرب بجناحيها على تلك البقعة ، حتى ان تنتبه الى تلك النقطة الضئيلة داخل المحيط
الى ذلك المركب الخشبي المتهالك تحديدا
الذى ارتسمت عليه ملامح الوحدة والهوان وهو مسلوب الارادة امام الامواج وهي تضرب بسوطها لتطيح بيه يمينا ويسارا كالكرة
رسمت الطبيعة صورتها في قسوتها وعنفوانها على المكان بأكلمه
حتى الرياح حملت رائحة خاصة لا تتكرر لتهب على سطح السفينة
لترتطم في ذلك الجسد في انزعاج
جسد رجل يجلس القرفصاء ، دافنا وجهه بين يديه بقميص وردي بالي
وبنطال تقطعت اطرافه وكأنها قد خرجت للتو من فك تمساح مفترس ..
كانت الصورة متجمدة تماما ، لا يتغير بها سوى تأرجح السفينة بين موجات البحر
حتى دوى هزيم الرعد من الغيمة ، حينها فقط رفع ذلك الجسد رأسه الى السماء لتظهر عينيه التى شارفت ان تتحول الى لون الدماء
واخذ يحدق في الغيوم في جمود لا معنى له حتى استل خنجر صغيرا من جيبه واخذ يرسم خطا جديدا على سطح السفينة
دون ان يبالى بقطرات الماء التى اخذت تداعب رأسه وسطح السفينة من قطرات متوترة تسقط من الغيمة
حتى انتهى واخذ يحصي بعينيه الداميتين ما صنعه حتى اكتمل بذلك ثلاثمائة خطا في تناسق على خشب السفينة ودون ان فرت تلك الدمعة الحمراء من عينة لتسقط على اخر خط حفره في خشب السفينة ليذوب وسط قطرات الغيمة ، وبدأت علامات الالم تدب في قسمات وجهة وجسده
وهو يضع يده على قلبه رافعا رأسه الى السماء مطلقة صرخة جعلت السماء تتوقف البكاء من هولها
فقد كان الطريق طويلا ومريرا
والايام دون معنى وهو ينتظر الميناء ان يظهر له في الافق دون جدوى
ابتدء العمر في هروبه ، وانتهى به قاذفا به في بحور الشك
حتى نسي انسانيته ، وروحه
لم يعد يتذكر صوته وانفاسه
حتى قلبه بدأ يستجمع ذكريات محبوبته في صعوبة ، ضاربا بسياطه في جسده بين الحين والآخر
بنار تجتاح كيانه ، داخل جسده ضاربا مثل البركان
ولم يعد هناك ما يقتات به
حتى انه قد ذبح حصانه ليقتات به
وهذا هو اليوم السادس وبدأ الهذيان يقبض بيد بارده على خلايا عقله
لكنه كان محاربا شرسا ، وفارسا لا يقبل الاستسلام
وبدأ الغيوم تنقشع شيئا فشيئا ليتسرب ضوء القمر في حياء متجدد
فاستنفر الجسد اعلى طاقته للنهوض ليسير حافي القدمين تجاه مقدمة السفينة
وتعلق بصره بالافق ، غير مباليا بالدماء التى ترتسم خلف قدمه من جرح غائر لا يندمل
واستند بكلتا يديه على السور وهو يحدق طويلا في مشهد السفينه وهي تشق المياه
وشعر بان الامواج تناديه وكان جنية المحيط تغرب به وطامعة في لحمه الطازج
ولكنها تسبح صامته اسفل صفحة المياه تقتله في صبر وتؤده
حتى بدأ يتمتم بتعويذة قديمة ، لقنتها اياه جدته
وهو يعرف خطورتها ، لكنه لم يكن لديه مفر
ولم يعد يطيق الانتظار حبيسا في جسد ضعيف ، حتى بدأ المحيط في الارتجاف
حتى كاد ان يقسم انه سمع تلك الصرخة المرافقة لذلك الارتعاش التى تناهت الى مسامعه من اسفل البحر
وفي كبرياء ، اجبر جسده على الجلوس في ذلك المقعد بجوار المقدمة
وعادت السماء لتتلبد في شكل مضطرب وكثيف في مشهد مهيب وعلى النقيض
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتى الفارس مغمضا عينيه وبدأ جسده ينير في بطء تدريجي واخذت الامواج تضرب جسد السفينة في جنون مطبق
حتى انشق ضوء البرق مخترقا الغيوم تجاه السفينة لتقسمها من منتصفها في تزامن غير طبيعي مع البحر الذى بدأ في صنع دوامة في منتصف السفينة
لتبتلعها في قسوة
مخلفة ورائها اسطورة تتردد عبر الاجيال
عن سفينة وربانها الفارس
حامي الارواح ، وآخر العاشقين

هناك تعليق واحد:

Zahra Youssry يقول...

عرفت مدونتك اليوم بالصدفة من شبكة القلادة العربية (من موقع مروة رخا) و هى مدونة حلوة ، لكن لماذا توقفت عن التدوين منذ أكثر من شهر ؟!