الأربعاء، 17 مارس 2010

الليــرا - آلة الهارب




الليرا

حياة عاصفة ، سريعة ، متوترة
خضم من المعلومات يجرى امام مقلتى في كل ليلة امام شاشة صماء
متحديا بها الحياة والمعرفة وقاهرا كل سد منيع
في مختلف المجالات والانحاء والعقول
كنت ذو عقلك متقد على الدوام
حتى استرخى بعدها لاعطى جسدى ما يستحقه من راحه ولاعيد بناء خلايا عقلى المشتعل
حتى انتهى بي المطاق بعد اربعة عقود في احدى الحفلات التى تقيمها وزارة الثقافة على شرف احدى الدول الاوربية هنا في القاهرة ، وكان لابد لي بطبيعة مركزي ومنصبي المترقب الحضور والمجاملات وتبادل الكروت الشخصية والملل في النهاية من الحديث الذى لا يجدى نفعا
وشارفت على الحلم بفراشى كما هو حالي في هذه الاجتماعات
فنهضت معتذرا لتدخين سيجارتى كوسيلة للهرب من المكان واخذت انفث غضبي ومللي مع دخان السجائر لاترك لخيالى العنان
فقد كنت اتذكر مولد حبي وزواجى هنا في دار الاوبرا
وكيف انها كانت القدر لاتصداف مع حبي الاول حتى انتهت حياتها بشكل مفاجئ لم يفهمه الاطباء
سابحا بذكرياتى في بحر طويل ودافئ
ولكن مهلا
لم انتبه وانا اغوص في ذكرياتى باننى انتشيت بذلك الصوت
صوت عذب جميل يأتى من آلة لم افهمها برغم عشقى للموسيقى
انه يأتى من المبنى المقابل ... اجل لا يمكن لأذن طالما ارتشف الموسيقى ان تخطأ مصدر الصوت وان كانت تجهل كنهه
ودون ترتيب تركت السيجارة تسقط من اصابعى دون ان ادهسها وتركتها ماضيا في طريقي الى المبنى كالمسحور يذهب في طريقة الى حورية البحر
تركزت تلك الصورة وانا اصعد درجات السلم الى الدور الثانى في لهفة والصوت يصدح في اركان المبنى في قوة بواسطة السماعات الحديثة الموزعة بعناية
حتى اقتحمت القاعة في شكل عصبي
لتقع عيناى عليها
او بشكل أدق
عليهما
على الحورية التى كانت تعزف المقطوعة وهي تحدق في ارضية المسرح
وعلى تلك الالة التى لم اعرف لها اسما سوى انها آلة قديمة
ورجحت من شكلها انها تعود الى ما قبل التاريخ
الى عصور رومانية او فروعينة
تمتد بها عشرات الاوتار التى تداعبها انامل الفتاة في رقة وعذوبة
حتى سرت قشعريرة في جسدى بالكامل وبدون وعي ملئت الدموع مقلتى
وما ان سقطت دمعتى الاولى
ارتجفت وانا استفيق من حلم حقيقي وانا امسح دموعى غير مصدق لخروجها لاضعها على فمى دون ان اقدر ان ارفع عيني عنها
تقدمت الى الكرسي الاقرب من الباب لاجلس مشدوها ... مأخوذا
مسحور الالباب
تاركا صدى الاصوات تتردد في وجدانى
بل داخل كيانى بأكلمه
وهي تأخذنى في ايقاعها الى الاعماق وتخرج محلقة الى السماء في تتابعات لا اقدر على وصفها
حتى انتهت
ليعلوا التصفيق الحاد في القاعة ونهضت كالمحموم لكي الهب يدي بالتصفيق الحار
لتتجمد حركتى
فاذا هي تنهض وهي تنحنى في رقة بالغة وتقف تحدق في الارضية بشكل ملفت
حتى نهض احدهم من الصف الاول ليمسك بيدها ويناولها نظارة سوداء بيده الاخرى
لترتديها في صمت
مستديرة لتغادر المسرح ليسود الصمت مجددا داخل القاعة
فقد كانت لا ترى
آخذة نور اعيننا معها مختفية خلف الستائر
لتترك الدموع تنساب من عيني مجددا
لتتعلق في استماتة هذه المرة بالآلة التى سحرتنى واعمتنى دون رحمة او امل
لتحمل توقيعها علي كل الحاضرين
توقيع الليرا

هناك تعليق واحد:

رحلتنا في الحياة يقول...

اسلوب حضرتك جميل اوى اول مرة ازور المدونة وباذن الله مش الاخيرة